المظلات | تعد مكة المكرمة أقدس بقاع الأرض للمسلمين إذ يزورها الملايين من الحجاج والمعتمرين سنويا طامحين لنيل بركة المكان وأداء الشعائر المفروضة ومع هذا الحضور الكثيف كان من الضروري توفير بيئة ملائمة تعين الزوار على أداء مناسكهم بيسر وراحة خاصة في ظل الظروف المناخية القاسية التي تتصف بها مكة المكرمة من حرارة شديدة إلى أشعة شمس ساطعة قد تصل أحيانا إلى 50 درجة مئوية هنا جاءت فكرة المظلات كحل هندسي معماري رائع يجمع بين الجمال والوظيفة .

الاحتياج إلى المظلات في مكة :
يعتبر مناخ مكة صيفيا حارا طوال معظم العام وهو ما يشكل تحديا كبيرا للحجاج الذين يؤدون المناسك في أوقات الظهيرة وما بعدها ونتيجة لهذا كان لابد من إيجاد وسيلة تظليل فعالة تحميهم من حرارة الشمس المباشرة وتخفف من وطأة الحر وتساعد على تقليل حالات الإجهاد الحراري وضربات الشمس وهي من المشكلات الصحية الشائعة أثناء موسم الحج .
إضافة إلى ذلك تساهم المظلات في تحسين تجربة الحاج والمعتمر حيث توفر بيئة أكثر راحة وتشجعهم على إتمام عباداتهم بخشوع وطمأنينة
مظلات ساحات الحرم المكي:
من أبرز المظلات التي لاقت شهرة واسعة هي تلك التي تزين ساحات الحرم المكي الشريف وهي مظلات عملاقة قابلة للفتح والإغلاق تغطي المساحات الخارجية الواسعة للحرم بما فيها ساحات الطواف والصلاة
تتمتع هذه المظلات بتصميم هندسي متقن بحيث توفر الظل لمساحات كبيرة وتفتح أو تغلق حسب الحاجة ويبلغ ارتفاع المظلة الواحدة حوالي 25 مترا وتغطي مساحة تصل إلى 600 متر مربع مما يجعلها من أكبر المظلات القابلة للطي في العالم .

التصميم والمواد المستخدمة :
تتميز مظلات الحرم المكي بكونها تصنع من مواد متطورة قادرة على تحمل الظروف المناخية الصعبة تستخدم في صناعتها مواد مقاومة للأشعة فوق البنفسجية والمطر كما أنها مزودة بطبقات تعكس حرارة الشمس مما يساعد على خفض درجة الحرارة تحتها بشكل ملحوظ
وقد تم تصميم هيكل المظلة من الفولاذ المقاوم للصدأ (Stainless Steel) الذي يجمع بين الصلابة والمظهر الأنيق بالإضافة إلى أقمشة خاصة عالية الجودة ومقاومة للعوامل البيئية .
آلية الفتح والإغلاق :
تعتمد مظلات ساحات الحرم على تقنيات هيدروليكية وكهربائية متطورة ما يتيح التحكم في فتحها أو إغلاقها بسهولة وسرعة يتم التحكم في المظلات عن بعد من خلال أنظمة مركزية بحيث تفتح في أوقات الذروة عند اشتداد الحر وتغلق في أوقات اعتدال الطقس مما يحقق مرونة عالية في إدارة الساحات
الأبعاد الجمالية والهندسية :
لا تعتبر مظلات الحرم المكي مجرد هياكل وظيفية بل هي أيضا تحف معمارية تضفي على ساحات الحرم رونقا جماليا خاصا إذ روعي في تصميمها الانسجام مع العمارة الإسلامية للحرم الشريف فجمعت بين الأصالة والحداثة لتشكل لوحة بديعة تبهج الزائرين .

التأثير الإيجابي على الزوار :
أثبتت الدراسات الميدانية أن وجود المظلات في ساحات الحرم خفف بشكل كبير من درجات الحرارة في الأماكن التي تغطيها حيث ساعدت على تقليل الحرارة بحوالي 10 درجات مئوية في بعض الأوقات وهذا له أثر مباشر في وقاية الحجاج والمعتمرين من ضربات الشمس والإجهاد الحراري
إضافة إلى ذلك فإن المظلات أسهمت في تنظيم حركة الحشود إذ توفر مناطق ظل مريحة تساعد على التوزيع المتوازن للزوار في الساحات وتقلل من الازدحام.
المظلات في المشاعر المقدسة :
لا تقتصر المظلات على الحرم المكي فحسب بل امتدت لتشمل مواقع المشاعر المقدسة الأخرى مثل منى وعرفات ومزدلفة ففي مشعر عرفات على سبيل المثال تقام مظلات مؤقتة خلال يوم الوقوف بعرفات لتوفير الظل للحجاج أثناء أداء هذا الركن الأعظم
كما قامت المملكة بتزويد مخيمات منى بعشرات الآلاف من المظلات الصغيرة القابلة للطي لتكون بمتناول الحجاج أثناء تنقلهم وهو ما يسهم في تخفيف آثار الحرارة القاسية .

الجانب البيئي والاستدامة :
في سياق رؤية المملكة 2030 تسعى الحكومة السعودية إلى دمج عناصر الاستدامة في مشاريعها بما في ذلك المظلات حيث صمِمت مظلات الحرم لتكون ذات عمر افتراضي طويل مع مواد قابلة لإعادة التدوير وتقنيات تقلل من استهلاك الطاقة عند تشغيلها
كما أن المظلات تساهم في خفض استهلاك أنظمة التكييف والتهوية في الساحات إذ تقلل من الحاجة إلى التبريد الصناعي ما ينسجم مع أهداف تقليل البصمة الكربونية .

التحديات والصيانة :
تعتبر الصيانة الدورية من أبرز التحديات التي تواجه إدارة المظلات نظرا لحجمها الضخم وتقنياتها المعقدة ولذا تم تخصيص فرق هندسية وفنية متخصصة تشرف على عمليات الفحص الدوري والصيانة الوقائية لضمان عمل المظلات بكفاءة عالية دون انقطاع
كما يتم تنظيف المظلات بانتظام باستخدام تقنيات متطورة تضمن إزالة الأتربة والأوساخ دون الإضرار بالهيكل أو القماش
تجربة الحجاج والمعتمرين :
لا شك أن المظلات أصبحت اليوم جزءا لا يتجزأ من تجربة الحاج والمعتمر في مكة إذ كثيرا ما يبدي الزوار إعجابهم بروعة هذه المظلات وفائدتها الكبيرة حتى أنها تحولت إلى نقطة جذب سياحي بحد ذاتها يتأملها الزائرون ويدوِنون صورها في ذكرياتهم.

إن مظلات مكة المكرمة ليست مجرد بنية معمارية عادية بل هي مثال حي على تضافر الجهود الهندسية والإدارية لخدمة ضيوف الرحمن فهي تجمع بين الجمال والوظيفة وبين الابتكار والرحمة لتجسد القيم الإسلامية في العناية بالإنسان وتقديم أفضل الوسائل لمساعدته على أداء مناسكه براحة وأمان
وهكذا فإن المظلات في مكة تظل شاهدا على روح العطاء والإبداع الذي يميز المشروعات في الحرمين الشريفين لتكون رمزا للضيافة الرفيعة التي تقدمها المملكة لضيوفها وحلا عمليا يليق بقداسة المكان وروحانيته .


للتواصل والإستفسار :